هنا بنى السلطان قابوس مدينة خليجية في ألمانيا

في مدينة تغوص في وديان وجبال الألب جنوب ألمانيا، يقضي اقدم حاكم عربي أشهرا من العلاج في مستشفى بناه خصيصا له. السلطان قابوس المولود عام 1940 يقطن الان قي بلدة غارمش (Garmisch)، وفيها استقبل وزير الخارجية الأميركي جون كيري يوم السبت الماضي، في زيارة خاصة أراد منها كيري الاعراب عن امتنانه للعلاقات الطويلة والقوية بين البلدين.

 ويبلغ عدد ساكني بلدة غارمش 26 ألفًا، وقد سكن ومات فيها واحد من أشهر الموسيقيين الألمان، ريتشارد شتراوس صاحب سيمفونية الألب. والمعروف ان السلطان قابوس من هواة الموسيقى الكلاسيكية، بل هو صاحب أول مبادرة في الخليج لإنشاء مقر للأوبرا في بلاده، فليس اذا مستغربًا أن يختار هذا المكان لاستشفائه على مقربة من شتراوس وقبله فنان المانيا الأعظم ريتشارد فاغنر الذي هو الآخر ينتسب الى ميونيخ التي فيه سكن وفيها وافته المنية.

منزل ريتشارد شتراوس في غارمش

قلة من العرب كانت تعرف مدينة غارمش- بارتنكيرشن الألمانية، لكن صيت هذه البلدة النائية ذاع اليوم، بعدما عرفت أنها منذ آب (أغسطس) الماضي مقر لاستجمام السلطان العماني قابوس بن سعيد، حيث يقضي فترة نقاهة واسترخاء، تحت إشراف الأطباء، في بيته هناك على سفوح جبل كرامر، محولًا مع حاشيته المهذبة المدينة إلى مدينة خليجية، بليال عربية.

 
كيري يصل ميونخ يوم السبت الماضي 10 كانون الثاني (يناير) 2015

 

يتجنب الضوضاء

وهذه ليست المرة الأولى التي يقصد فيها السلطان قابوس هذه المدينة، لكنه اعتاد أن يتجنب الضوضاء الاعلامي أثناء استقراره في إجازاته السنوية بمنزل فخم جدًا، اشتراه على سفوح جبل كرامر.

ورفض السلطان أن ترافقه أي بهرجة اثناء تنقله في المدينة، كما لم يستجب لسكان المدينة إذ سألوا ضيفهم الكريم توقيع سجل مدينتهم الذهبي، لكنهم سعيدون به، وبالأنشطة التي تزدهر بوجوده.

لكنه هذه المرة ما استطاع البقاء بعيدًا من متناول المراسلين، بسبب خضوعه للفحوصات الطبية، فتناولت التقارير الاخبارية الألمانية مكوثه في ربوع غارمش- بارتنكيرشن، لحين عودته إلى عمان، بعد تعافيه.

 

ليس سرًا

لم تبقَ الاقامة السلطانية، منذ آب (أغسطس)، سرًا عن أهالي المدينة، رغم أن السلطان وحاشيته حاولوا جاهدين تجنب إي تماس معهم، قد يكشف وجوده هناك. إلا أن سكان المدينة ما فاتهم ملاحظة السيارات الفاخرة التي كانت تقل مسؤولين عمانيين لحقوا بالسلطان إلى مقر إقامته، يقيمون في فندق غراند ستونبيشل، الذي يرفض مديره كريستوفر ماتيس تقديم أي معلومات عن ضيوفه العمانيين، رغم أن الجميع يعرف أن هذا الفندق الفخم مملوك لمجموعة من الشركات، وأن السلطان قابوس أحد المساهمين فيها.

والسلطان يقيم في بيته بهضبة ماكسميليان الجميلة، الذي اشتراه في 1974 بمبلغ 11 مليون مارك ألماني، وحوله إلى مقر مقفل وخاص.

اليوم، يبدو أن السلطان قابوس يريد العناية بعقاره في هضبة ماكسيميليان، إذ سلّم بلدية غارمش-بارتنكيرشن خططًا لتوسعة في بيته، تشمل طلبًا لرخصة بناء بيت للضيافة ومركز طبي خاص به وحده، لا يطأه أحد من 200 رجل من الحاشية التي ترافقه على الدوام. فهو يريد الاستشفاء من مرضه في مستشفاه الخاص به، من دون شريك.

 

مهذبون حقًا

وكما آثر السلطان قابوس، منذ آب (أغسطس) الماضي، أن لا يلتزم الحذر في إقامته بالمدينة، كذلك فعل أفراد حاشيته، فيخرجون بقمصان بيضاء وبسترات داكنة، زرافات ووحدانا، ليتمتعوا في السهرفي المدينة. ويقول كريستاكاكيس، مدير أحد المقاهي في ميدان ماريا في غارمش- بارتنكيرشن: “إنهم يأتون في العادة مع مرافقين، ينتظرهم السائق خارجًا في سيارة فخمة، وهم غاية في اللطف، وفي غاية السخاء، يعطون الموظفين بقشيشًا كبيرًا”.

إنها ليال عربية في ويل روك، وكأن المدينة تحولت فجأة إلى إحدى مدن الخليج العربي. فالسيارات الفارهة في الشوارع، والعرب في المقاهي.

ومتى قاموا للرقص، لا يضلون طريقهم، بل يعرفون كيف يحتفلون من دون أن يزعجوا أحدًا بأي عبارة أو تصرف غير مسؤول، حتى قال أحد مسؤولي السياحة بالمدينة: “هؤلاء العرب مهذبون حقًا، مثقفون ومتعلمون”.

 

الطريق إلى غارمش-بارتنكيرشن الوادعة عند أقدام جبل كرامر

 في تزايد مستمر

ومهما كان عاصفًا احتفال العرب، فهم يقفزون من أسرتهما سريعا، ليكونوا جاهزين في خدمة سلطانهم، في تمام الثامنة صباحًا، وكأنهم قضوا ليلة هانئة في أسرتهم، في انضباط والتزام يماثلان انضباط الألماني والتزامه بالمواعيد.

 فوجودهم هنا ليس من قبيل التمتع بالإجازة، بل من قبيل خدمة السلطان قابوس في إجازته، وبالتالي عليهم العمل بجد ونشاط.

يقول بيتر ريس، مدير السياحة بمدينة غارمش-بارتنكيرشن، إن زواره العرب يحاكون السلطان قابوس في حكمته، “خصوصًا أن أعداد الزوار من الدول العربية الخليجية في تزايد مستمر، يهوون برودة الجو الأوروبي مع حلول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة في بلادهم، وقد ارتفع عدد الليالي الذي قضاها هؤلاء في النصف الأول من 2014 مقارنة بالعام 2013 بنسبة 25 بالمئة، ليبلغ 5600 ليلة”.

وبحسب ريس، يأتي في مقدمة زوار المدينة الروس بنحو 25,400 ليلة، 70 بالمئة منها خلال كانون الثاني (يناير). وقضى السياح الأميركيون حتى نهاية حزيران (يونيو) 17,500 ليلة، السواح الهولنديون 9600 ليلة، والفرنسيون 4700 ليلة، و الإيطاليون 4300 ليلة.

لأمل

 خرج السلطان إلى العلن نسبيًا في غارمش- بارتنكيرشن الألمانية، لكن هذا لا يغطي على أن قابوس بن سعيد هو أحد أكثر الحكام العرب غموضًا، إذ اتخذ لنفسه جانب الخفية، وصورة فاعل الخير الذي لا يكشف عن خيره لأحد، أكان هذا الخير سياسيًا أو غير ذلك. قلة كانوا مدعوين إلى جلساته الخاصة، كما كان نادر المشاركة في الاحتفالات العامة، مرسلًا ممثلًا عنه.

وحين جلس أمام الكاميرا متحدثًا، في ذكرى ميلاده الرابعة والسبعين في 18 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، صمتت عمان وتسمر شعبها أمام الشاشات الصغيرة، ليسمع من سلطانه ما كان تواتر وشاع. 

 

فقد أعلن لشعبه حينها أنه سيبقى في ألمانيا ليتلقى العلاج، آملًا أن يبلّ من مرض عضال، لم يسمّه. وهو اليوم في غارمش-بارتنكيرشن، وكله أمل أن يعود إلى مسقط حاكمًا.

 

 

 

 

المصدر: إيلاف

Leave a Reply