وقفت أمام المرآة، وقلت بحزن: “خافوا الله بالكويت”.. جربت أن أرفع صوتي وأرددها بغضب.. جلست على كرسي وكررتها وأنا أبتسم.. استلقيت على جنبي.. ومع ذلك “مو ضابطة”!
لكن حين يقولها العم جاسم الخرافي، بصوته الأبوي الحنون، أجد الدمعة تكاد تترقرق من عيني، وأوشك أن أقوم فأقتطع من حسابي المصرفي جميع الرواتب التي أعطتني إياها الدولة، ثم أعيدها إلى وزارة المالية، ومعها وردة حمراء ورسالة مكتوب فيها.. “سامحوني”!
* * *
ذكر لي بعض الثقات أن العم بو عبدالمحسن فقد كثيرا من وزنه آخر أيامه، وغلب عليه شرود الذهن، وصار حاد الطبع.. أحيانا!
تأملت في حاله مليا، فأدركت أن الرجل شغل قلبه حب الكويت، وأثقل كاهله القلق على مستقبل أهل.. الكويت.
ودعونا نستعرض بعض ما يجري في حياته اليومية، حتى نفهم منبع الحزن والألم الذي يعتصر فؤاد هذا الإنسان العظيم الذي قدم للكويت الكثير، ولم ينتظر منها جزاءا ولا شكورا.
يستيقظ العم بو عبدالمحسن صباحا، فيمارس رياضة المشي في حديقة منزله، ثم يجلس قرب النافورة ويأخذ رشفة من عصير “العرنجوص”، كما يلفظها أهلنا في البحرين، وبعدها يتصفح الصحيفة ليتابع أحوال البلد ويطمئن على حلال.. أهل الديرة.
* * *
كتبت الصحيفة: “مقاول كويتي.. لكنه ليس من الكويتيين “الهيلقية”، وإنما ينتمي إلى الكويتيين “الأصليين” الذين عملوا على ترسيخ الديمقراطية وانتخبوا العائلة الحاكمة. هذا المقاول دخل مناقصة على مشروع نفطي، وقدم كفالة بنكية قيمتها 10 ملايين دينار.. فقط لا غير.
سارت الأمور طيبة، ورست المناقصة على صاحبنا المقاول. لكن المقاول التاجر ولد التاجر أعلن أنه لا يستطيع بدء المشروع، لأنه لا يملك “الكاش” الكافي!
.. وبما أن حكومتنا قلبها أبيض مثل فضة، ارتأت أن الكفالة البنكية (10 ملايين) التي قدمها المقاول هي بمثابة كلمة شرف ومسمار بلوح. ولذا قررت أن تساعد ابن البلد، وتعطيه “كاش” دفعة تحت الحساب قيمتها.. 425 مليون دولار (دولار ينطح دولار) في سنة 2010، وهو لم يدق مسماراً في المشروع!
* * *
الحكاية لم تنته بعد.. إذ تكمل الصحيفة: “وكان يُفترض أن يبدأ العمل بالمشروع في بداية 2013، وأن تستغني الدولة عن استيراد الغاز من الخارج. لكن لأن المقاول لم ينجز شيئا، اضطرت الدولة للاستمرار في استيراد الغاز بكلفة تزيد عن 9.5 مليون دولار.. في اليوم الواحد!
وبحسبة بسيطة (9.5 مليون دولار يوميا).. مضروبا في سنتين، يساوي 7 مليارات دولار تقريبا.
أي أن المقاول قد كلف المال العام 7 مليارات دولار فقط لا غير!.. هذا بخلاف الـ 425 مليون دولار التي “لهفها”.
ولعل مثل هذا الخبر هو ما حرق قلب العم جاسم الخرافي، وجعله يخرج عن صمته ليصرّح للصحف يوم أمس، قائلا: “المال العام خط أحمر”، وليطالب بـ “إجراءات رادعة لمن يسيء إلى المال العام”.
* * *
بما أن مجلس الوزراء قد أعلن قبل يومين أنه منسجم مع التوجيهات السامية بضرورة حماية المال العام وعدم التواني في محاسبة كل من يتطاول أو يعتدي عليه، وأن سمو الشيخ جابر المبارك حريص على حماية المال العام وصيانته، “وسيعمل دون أدنى تأخير أو تهاون، على إحالة أي تجاوزات أو شبهة اعتداء على المال العام الى سلطات التحقيق”.
فإننا حرصنا على إعانة سموه في عمل الصواب، وأن ننقل لسمو الشيخ جابر المبارك ما نُشر في الصحف الكويتية من تجاوز خطير وإعتداء على المال العام (بالأرقام)، وكلنا ثقة بأن سموه سيقوم بما يمليه عليه ضميره، وسينفذ التوجيهات السامية بحماية المال العام، وإحالة المقاول المعني إلى سلطات التحقيق.
ملاحظة: نحتفظ باسم المقاول وعنوان بيتهم ورقم هاتفه وصورته الشخصية.. في حال لم يستطع سمو الرئيس الاهتداء إليه.
* * *
سمردحة: سمو الشيخ جابر المبارك.. طلبتك.. قول تم. لا تصلحون استاد جابر الرياضي.. خلّوه نصب تذكاري وأيقونة يشوفها أبناءنا وأحفادنا. وإذا كان ولا بد أن تغير شيئا في هذا الصرح، فغير إسمه إلى “استاد.. جاسم الرياضي”.