تجتاح منطقتنا الخليجية عاصفة من الإجراءات الأمنية غير المسبوقة وغير المفهومة، فقد فُرِضت قيود قاسية على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، لمنع أي رأي أو اجتهاد لا يتناغم مع إرادة الذات المُحصّنة لبعض المسؤولين، إضافةً إلى تغليظ العقوبة، لتصل إلى الجلد المبرح العلني، وسحب الجنسية التي تحوَّل مفهومها إلى مِنَّة من الحاكم لخَدَمِه!
أعنف العناصر الأمنية بدأت تتولَّى مسؤولية تطبيق هذه السياسة، كما تمَّ تطوير الأجهزة الأمنية واكتمال تدريبها على أيدي أعتى المختصين في العالم بهذا المجال، وتزويدها بأحدث الوسائل، لتأدية مهمتها التي تحوَّلت من الدفاع عن أمن الوطن والمواطنين إلى حماية كراسي بعض المسؤولين، والتنكيل بالأحرار المصلحين.
لا أحد ينكر ما تعيشه المنطقة من أحداث في غاية الأهمية، تهدد الاستقرار المخادع، فإذا كان هذا صحيحاً، وهو كذلك، فما أسبابه؟ وكيف نواجهه ونحمي أوطاننا منه؟
إن ما نشاهده من إجراءات أمنية هستيريةليست الحل، بل هي تعميق للبلية التي نحن فيها.
الكراسي يحميها الوطن والمواطنون، والاعتماد على القوة المفرطة ليس الحل، فنحن الآن لا نريد أن نستشهد بالتاريخ، بل علينا أن نفتح عيوننا، لنرى ما يحدث أمامنا في كل بقاع العالم، إذ تتهاوى كل الأنظمة القمعية، الواحد تلو الآخر، أمام حتمية التطور العالمي، حتى أوروبا لم تسلم من هذا الزلزال، فما حدث في اليونان من رفض لنظام فاسد، امتد إلى إسبانيا، وأصبحت العدالة طموح شعوب المنظومة الأوروبية.
في عام 1989 أقدم النظام الصيني على قتل الألوف من طلبة الجامعات في تيانمن سكوير في بكين، بعد أن داسهم بعجلات الدبابات ومنع الإعلام من مشاهدة هذه المجزرة، ولم يسمع بها أحد، حينذاك… هذا النظام نفسه وقف مشلولاً أمام احتجاجات مئات الألوف من الصينيين في هونغ كونغ، رافضين تعيين العمدة من قِبل حكومة الصين، معربين عن حقهم في انتخاب عمدتهم، وها هم مستمرون في الاحتجاج، مع أن الموعد في عام 2017!
حكومة الصين نفسها تفاوض وتحاول التفاهم، لأن العالم يشاهد المنظر الذي لا يمكن إخفاؤه أمام التقدم العلمي الهائل الذي جعل العالم كله قرية صغيرة واحدة.
الهلع الذي يعيشه بعض المسؤولين في المنطقة لا يمكن التخلص منه إلا بتعجيل التطور السلمي لأنظمة الحكم، ليشارك الجميع في اتخاذ القرار وتحمُّل مسؤولية حماية الوطن والمواطنين والنظام، وغير ذلك، سيسبب كارثة – لا سمح الله – لا توفر أحداً، سواء حاكماً أو محكوماً، لأننا دول من الدرجة الثانية؛ هشة، موغلة في التخلف، ولا تملك المناعة اللازمة للبقاء.